4- المخالفة: يجب اعتقاد وصف المخالفة لله تعالى ومعنى ذلك أن ذاته تعالى مخالفة لذوات المخلوقات وصفاته مخالفة لصفات المخلوقات وفعله مخالف لأفعال المخلوقات فهو كما قال فى كتابه العزيز:]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[ الشورى:آية 9 ومن هنا ندرك أن معنى مخالفته تعالى للحوادث أنه لا يماثله شىء مطلقاً لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال، وذلك لأنه لو ماثل شيئاً منها لكان حادثاً مثلها والحدوث مستحيل في حق الخالق عز وجل قال تعالى:]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ الإخلاص وقال:]هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاًٌ[مريم:آية 65. قال العلامة محمد بن أحمد بن محمد المالكى الشهير بميارة فى شرحه الكبير فأول هذه الآية تنزيه وآخرها إثبات فصدرها يرد على المجسمة وإضرابهم وعجزها يرد على المعطلة النافين لجميع الصفات انتهى (ج1 ص 23 ) .
قلت: واستعمال هذا الاصطلاح ليس فيه شئ مخالف لما عليه السلف وليس المراد إثبات وصف غير توقيفي له عزّ وجلّ وإنما مرادهم من ذلك هو عدم المماثلة المفهوم من قوله تعالى:]ليسَ كمثلهِ شئ[ فافهم. وهذا الاصطلاح مما درج عليه المتأخرون من أهل السنة. ومنه قولهم كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك. وهو كلام صحيح لأن الذي يتصوره الإنسان هو منتزع من صور ذهنية كونية متخيلة وهى تعكس صور الكائنات والمحدثات. والسلف يعلمون أن الناس لا يدركون كنه صفات الحق وإنما يؤمنون بها. فافهم.
5- القيام بالنفس- يجب اعتقاد صفة قيامه تعالى بنفسه ومعنى ذلك أنه تعالى موجود بلا موجد وغنى عن كل ما سواه ،وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص ، لقوله تعالى:]اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[البقرة:آية 255 ولقوله تعالى:]يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[ فاطر:آية 15 وقوله تعالى:]وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ [ محمد:آية 38 ولأنه تعالى لو احتـاج إلى شيء لكان حادثاً وحدوثه محال فاحتياجه محال ومن هنا قال العلامة الحليمى: في معنى الغنى إنه الكامل بما له وعنده فلا يحتاج معه إلى غيره وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة لأن الحاجة نقص والمحتاج عاجز عما يحتاج إليه إلى أن يبلغـه ويـدركه وللمحتاج إليه فضل بوجود ما ليس عند المحتاج فالنقص منفى عن القديم بكل حال والعجز غير جائز عليه ولا يمكن أن يكون لأحد عليه فضل إذ كل شيء سواه خلق له وبدع أبدعه لا يملك من أمره شيئا وإنما يكون كما يريد الله عز وجل ويدبره فلا يتوهم أن يكون له مع هذا اتساع لفضل عليه أهـ ( ص 36 )كتاب الأسماء والصفات. وذكر قبله حديث عائشة في الاستسقاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي قَال فيهَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، أهـ
قلت: فالقيام بالنفس هو غناه تعالى عن المحل والمخصص لذلك يستحيل ان يحتاج إلى مكان يؤويه أو زمان يحويه أو سماء تظله أو أرض تقله كان الله ولا شيء غيره أو قبله أو معه، فهو الواحد القهار كما صحت بذلك الأخبار.
6-الوحدانية – ويجب اعتقاد الوحدانية في حق الله تعالى وهى في الذات والصفات والأفعال، ومعناها أن ذاته تعالى ليست مركبة وليس لغيره ذات تشبه أو تماثل ذاته وأنه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وإرادتين وعلمين وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها إختياريها واضطراريها مخلوقة له تعالى وحده بلا شريك ولا معين على وجه الإختراع والإبداع قال الله تعـالى:]وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة: آية 163 وقال:] لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ[ الأنبياء:آية 22 وقال:]وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ[الصافات:آية 96 وقال:]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ[ فاطر:آية 3 وقال تعالى:]يقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ[ الإخلاص:آية 1-4 .
قلت: إن الوحدانية صفة تؤكد الوحدة الذاتية لله تبارك وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله وأنه لا يشاركه في معنى أسمائه شيء وتؤكد معنى قيوميته الدالة على غناه المطلق عن الاحتياج إلى شيء من مخلوقاته فهو غنى عن الجسم والتركيب وعن المكان والتحيز وعن الجهة والإشارة إليه بالحِسِّ وما يتعلق به فهو الواحد الأحد الفرد الصمد ولتأكيد هذا المعنى واضحا في ذهن القارئ يجب أن نصحب [الإمام فخر الدين الرازى فى كتابه أساس التقديس] عند كلامه في الرد على القائلين بأنه تعالى جسم قال: بعد كلام يؤكد فيه أن دين عبادة الأصنام كالفرع عن مذهب المشبهة مع أن كثيراً من هؤلاء المشبهة يمنع من جواز الحركة والسكون ويقول أما الكرامية فهم لا يقولون بالأعضاء والجوارح بل يقولون إنه مختص بما فوق العرش قال: ثم إن هذا المذهب يحتمل وجوهاً ثلاثة فإنه تعالى إما أن يقال إنه ملاق للعرش وإما أن يقال أنه مباين عنه ببعد متناه وإما أن يقال أنه مباين عنه ببعد غير متناه وذهب إلى كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة طائفة من الكرامية واختلفوا في أنه تعالى مختص بتلك الجهات لذاته أو لمعنى قديم بينهم اختلاف في ذلك.
قلت: وسيأتي الكلام في نفى الجهة ونفى التجسيم وسائر لوازم الجسمية في المكان المخصص لذلك ثم أخذ الشيخ في إبطال مزاعم من لا يوحد الله تبارك وتعالى التوحيد الحقيقي مثل الكرامية ومن سار على دربهم من المجسمة، فقال مستنبطا كل ذلك من سورة الإخلاص اعلم أنه قد اشتهر في التفسير: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سئل عن ماهية ربه، وعن نعته وصفته؟ فانتظر الجواب من الله تعالى فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه السورة إذا عرفت هذا فنقول: هذه السورة يجب أن تكون من المحكمات، لا من المتشابهات. لأنه تعالى جعلها جواباً عن سؤال السائل وأنزلها عند الحاجة، وذلك يقتضى كونها من المحكمات لا من المتشابهات. وإذا ثبت هذا، وجب الجزم بأن كل مذهب يخالف هذه السورة يكون باطلا فنقول: إن قوله تعالى :" أَحَدٌ" يدل على نفى الجسمية، ونفى الحيز والجهة أما دلالته على أنه تعالى ليس بجسم، فذلك لأن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين، وذلك ينافى الوحدة ( ولما كان ) قوله " أَحَدٌ" : مبالغة في الواحدية ، كان قوله " أَحَدٌ" منافيا للجسمية.
وأمـا دلالته على أنه ليس بجوهر فنقول: أما الذين ينكرون الجوهر الفرد ( فإنهم ) يقولون: إن كل متحيز، فلابد وأن يتميز أحد جانبيه عن الثاني وذلك لأنه لابد من أن يتميز يمينه عن يساره، وقدامه عن خلفه، وفوقه عن تحته وكل ما يتميز فيه شيء عن شيء، فهو منقسم، لأن يمينه موصوف بأنه يمين لا يسار، ويساره موصوف بأنه يسار لا يمين، فلو كان يمينه عين يساره، لأجتمع في الشيء الواحد: أنه يمين، وليس بيمين ويسار، وليس بيسار فيلزم اجتماع النفي والإثبات في الشيء الواحد، وهو محال، قالوا : فثبت: أن كل متحيز فهو منقسم، وثبت: أن كل منقسم فهو ليس بأحد، ولما كان الله سبحانه وتعالى موصوفاً بأنه أحد، وجب أن لا يكون متحيزاً أصلا، وذلك ينفى كونه جوهر.
وأما الذين يثبتون الجوهر الفرد، فإنه لا يمكنهم الاستدلال على نفى كونه تعالى جوهرا من هذا الاعتبار، ويمكنهم أن يحتجوا بهذه الآية على نفى كونه جوهرا، من وجه آخر وبيانه: وهو أن الأحد كما يراد به نفى التركيب والتأليف في الذات، فقد يراد به أيضاً: نفى الضد والند فلو كان تعالى جوهرا فردا، لكان كل جوهر فرد: مثلا له. وذلك ينفي كونه أحدا، ثم أكدوا هذا الوجه بقوله تعالى:]وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ[ ولو كان جوهرا، لكان كـل جوهر فرد: كفوا له فدلت هذه السورة من الوجه الذى قررناه: على أنه تعالى ليس بجسم ، ولا بجوهر وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر،وجب أن لا يكون فى شىء من الأحياز والجهات لأن كل ما كان مختصا بحيز وجهة ، فإن كان منقسما كان جسما – وقد بينا إبطال ذلك- وإن لم يكن منقسما ، كان جوهرا وفردا – وقد بينا أنه باطل – ولما بطل القسمان ، ثبت: أنه يمتنع أن يكون فى جهة أصلا، فثبت أن قوله تعالى " أحد " يدل دلالة قطعية على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر، ولا في حيز وجهة أصلا .
واعلم: أنه تعالى، كما نص على أنه تعالى واحد فقد نص أيضا على البرهان الذي لأجله يجب الحكم بأنه أحد وذلك أنه قال :]هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ وكونه إلها يقتضى كونه غنياً عما سواه وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكونه إلها يمنع من كونه مفتقرا إلى غيره وذلك يوجب القطع بكونه أحدا وكونه أحدا يوجب القطع بأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيز وجهة، فثبت أن قوله تعالى:]هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[ برهان قاطع على ثبوت هذه المطالب.
وأما قوله سبحانه وتعالى:]اللَّهُ الصَّمَدُ[ فالصمد هو السيد المصمود إليه فى الحوائج، وذلك يدل على أنه ليس بجسم وعلى أنه غير مختـص بالحيز والجهة.