أما بيان دلالته على نفي الجسمية فمن وجوه :
الأول : أن كل جسم فهو مركب، وكل مركب فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو محتاج إلى غيره، والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيا محتاجا إليه فلم يكن صمدا مطلق.
الثانى : لو كان مركبا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين وفى الفعل إلى اليد، وفى المشي إلى الرجل وذلك ينافى كونه صمدا مطلق.
الثالث: إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم فلو احتاج بعض الأجسام إلى بعض، لزم كون الكل محتاجا إلى ذلك الجسم، ولزم أيضا كونه محتاجا (ذلك الجسم ولزم أيضا كونه محتاجا) إلى نفسه وكل ذلك محال، ولما كان ذلك محالا، وجب أن لا يحتاج إلى شيء من الأجسام ولو كان كذلك لم يكن صمدا على الإطلاق.
وأما بيان دلالته على أنه تعالى منزه عن الحيز والجهة: فهو أنه سبحانه وتعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة، لكان إما أن يكون حصوله في الحيز المعين واجبا أو جائزا، فإن كان واجبا فحينئذ يكون ذاته تعالى مفتقرا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيز المعين وذلك الحيز المعين، يكون غنيا عن ذاته المخصوص، لأنا لو فرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيز المعين، لم يبطل ذلك الحيز أصلا وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجا إلى ذلك الحيز، فلا يكون صمدا على الإطلاق وأما إن كان حصوله في الحيز المعين جائزا لا واجبا، فحينئذ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيز المعين وذلك يوجب كونه محتاجا، وينافى كونه صمد.
وأما قوله تعالى:]وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ[ فهذا أيضا يدل على أنه ليس بجسم ولا جوهر، لأنا سنقيم الدلالة على أن الجواهر متماثلة فلو كان تعالى جوهراً لكان مثلا لجميع الجواهر فكان كل واحد من الجواهر كفؤا له، ولو كان جسما لكان مؤلفا من الجواهر لأن الجسم يكون كذلك وحينئذ يعود الإلزام المذكور فثبت: أن هذه السورة من أظهر الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر، ولا حاصل في مكان وحيز انتهى (ص3.-34 ).
قلت: فإذا انتفت كل هذه الأمور تحققت الوحدة وتحقق بطلان جميع الكموم في الذات والصفات والأفعال وهذا هو المطلوب، وسيأتي مزيد بيان هذا في محله إن شاء الله .