يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بالصفات الجليلة القديمة الثابتة بالأدلة التفصيلية قبل وجود شيء من الأكوان علوية أو سفلية ولا يقال إن صفاته اشتقت له بعد إيجاده للكائنات المتربة عليها فمن الواجبات في حقه تعالى:
1- الوجود – وهو صفة ثبوتية لا تحقق لها في الخارج ولا ارتباط لها بغير الذات والإجماع على أنه يجب الإيمان بوجود الله تعالى فهو تعالى موجود بلا ابتداء قبل وجود جميع الحوادث من عرش وكرسي وسموات وسائر العالم ( والدليل) على ذلك خلقه تعالى السموات وما فيها من الكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والرمال والأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجمادات، لأن الصنعة لابد لها من صانع موجود. وقد قال الله عز وجل:]ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍَ[غافر:آية 62 وقال تعالى:]الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [ الأنعام:آية 1 وقال:]سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى[ الأعلى:آية 1-2 . أى خلق كل شىء فسوى خلقه. وقال:]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ[إقرأ:آية 1-2 وقال:]وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا[الفرقان:آية 2 ومن البديهي أن موجد الشيء لا يكون معدوماً، لأن المعدوم لا يعطى الوجود كما يقال فى المثل: إن فاقد الشىء لا يعطيه.
ومن هنا قال العلماء في برهان وجوده تعالى: أنه لو لم يكن موجوداً لكان معدوماً ولو كان معدوما لما وجد شيء من هذه المخلوقات وعدم وجودها باطل بالمشاهدة والحس فبطل ما أدى إليه وهو العدم وثبت ضده وهو الوجود وهو المطلوب.
2- القدم – يجب وصف القدم لله تعالى ومعناه أنه لا أول لوجوده تعالى وأنه لم يسبقه عدم، لقوله تعالى:]اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[ الزمر:آية 62 . إذ معناه أن كل شيء غير الله مخلوق لله، فلا يجوز أن يكون غيره خالقاً له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتاجا لغيره كيف وهو ذو الغنى المطلق. وفقر كل شيء إليه محقق ومن هنا ندرك أن إنكار بعض المتعالمين لصفة القدم من الجهل الفظيع وذلك لأن القـدم هو الأولية التي جاءت في قول الله تعالى:]هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[الحديد:آية 3.
وبرهان ذلك أنه تعالى لو لم يكن قديما لكان حادثا ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث ولو احتاج إلى محدث لاحتاج محدثه إلى محدث ولو احتاج هذا إلى محدث لزم أحد أمرين يمنعهما العقل السليم وهما الدور والتسلسل بأن يكون كل واحد منهما أحدث صاحبه أو كل محدث له محدث إلى غير نهاية ومعلوم أن ما لا ينتهي لا يدخل في الوجود وكلا الغرضين باطل فما أدى إليهما وهو احتياجه إلى محدث باطل وما ترتب عليه وهو الحدوث في حقه تعالى باطل فثبت ضد الحدوث وهو القدم فهو المطلوب]هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[الحديد:آية 3
وعن عمران بن حصين رضى الله عنه قال:" إنى عند النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال اقبلوا البُشرَي يا بني تميم فقالوا بشرتنا فاعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال " اقبلوا البُشرَي يا أهل اليمـن إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا : قبلنا .جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شيء " أخرجه البخارى ومسلم وفى رواية لأحمد : فاخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال: كان الله قبل كل شىء وكان عرشه على الماء وكتب فى اللوح المحفوظ ذكر كل شىء. قال الحافظ ابن كثير: وهذا الحديث مخرج فى صحيح البخارى ومسلم بألفاظ كثيرة فمنها قالوا جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال: كان الله ولم يكن شيء قبله وفى رواية غيره وفى رواية معه وكان عرشه على الماء وكتب فى الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض.
3- البقاء – يجب وصف البقاء لله تعالى ومعناه أنه تعالى دائم الوجود بلا انتهاء لا يفنى ولايبيد موصوف بصفاته كلها فى الأزل وهو كذلك لا يزال عليها إلى الأبد وإذا حققنا النظر في معنى هذه الصفة علمنا أنها تعنى ان الله تبارك وتعالى لا يحكمه الزمان ولا المكان ولا تحويه الجهات، إذ كلها حادثة لزوالها أو حدوث وجودها فيما لا يزال قال تعالى:]وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[ الرحمن:آية 25 أى ويبقى ذات ربك وقال تعالى:]كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[القصص:آية 88 ولذلك يقال كل مـن ثبت قدمه استحال عدمه فهو الأزلى القديم بلا بداية والأبدى الباقى بلا نهاية قال تعالى:]هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[الحديد: آية 3 وقال الحليمى وهذا أيضاً يعنى الباقي من أسماء الله الحسنى – من لوازم قوله قديم لأنه إذا كان موجوداً لا عن أول ولا بسبب لم يجز عليه الإنقضـاء والعدم فإن كل مُنْقَضٍ بعد وجوده فإنما يكون انقضاؤه لإنقطاع سبب وجـوده فلما لم يكن لوجود القديم سبب فيتوهم ان ذلك السبب إن ارتفع عدم علمنا أنه لا انقضاء له أهـ ذكره البيهقى فى الأسماء والصفات ثم قال وفى معنى الباقي الدائم قال قال أبو سليمان الخطابى فيما أخبرت عنه الدائم الموجود لم يزل الموصوف بالبقاء الذي لا يستولى عليه الفناء قال وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما وذلك أن بقاءه أبدى أزلي وبقاء الجنة والنار أبدى غير أزلي وصفة الأزل ما لم يزل وصفة الأبد مالا يزال والجنة والنار مخلوقتان كائنتان بعد أن لم تكونا فهذا فرق ما بين الأمرين والله اعلم كتاب الأسماء والصفات (ص11-12 ) .