إن معنى الوحدانية كما رأيت يرجع إلى أن البارئ جلّ وعلا لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فتكون أوجه الوحدانية عند أهل السنة ثلاثة: وحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال.
فوحدانية الذات تنفى التركيب في ذاته تعالى وهو الكم المتصل في الذات وتنفى وجود ذات أخرى تماثل الذات العلية فتنفى التعدد في حقيقتها- وهو الكم المنفصل في الذات وبذلك نـدرك أن معـنى الكم المتصل هو التركيب في الذات ومعنى الكم المنفصل هو تعدد الذات.
ووحدانية الصفات تنفى التعدد في حقيقة كل واحدة منها متصلا كان - وهو الكم المتصل - أو منفصلا - وهو الكم المنفصل في الصفات فعلم مولانا جلّ وعز ليس له ثانٍ يماثله لا متصلا أي منسوباً إلى الحق تعالى قائما بالذات العلية ولا منفصلا أي منسوباً إلى الغير قائما بذات أخرى بل هو تعالى يعلم المعلومات التي لا نهاية لها بعلم واحد لا عدد له ولا ثانٍ له أصلا وقس على هذا سائر صفات مولانا جلّ وعز.
ووحدانية الأفعال تنفى أن يكون، ثم اختراع لكل ما سوى مولانا جل وعز في فعل من الأفعال وهو الكم المنفصل في الأفعال، بل مولانا جل وعز هو المنفرد باختراع جميع الكائنات بلا واسطة، وحاصل وحدانية الأفعال نفى نظير له تعالى في إلوهيته ونفى شريك معه في جميع الممكنات فلا مؤثر في جميعها سواه، ولذلك جاء في الحديث عن زيد بن خالد الجهنى قال :"صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:" هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" قال: أصبح من عبادي مؤمن بى وكافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" رواه مسلم وأحمد والبخارى وأبو داود والنسائى فقوله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ظاهره أنه كفر حقيقي لأنه قابل به الإيمان الحقيقي كما قال الإمام القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم عند هذا الحديث ظاهره أنه الكفر الحقيقي لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها، لا من فعل الله تعالى، كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين والعرب.
فأما من اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه، ثم تكلم بذلك القول فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين:
أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من ذلك الإطلاق.
وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز، لأنا قد أمرنا بمخالفتهم، فقال:"خالفوا المشركين "و"خالفوا اليهود" ونهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضى الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال على ما يأتي إن شاء الله تعالى، ولأن الله تعـالى قـد منعنا من التشبه بهم فى النطق بقوله تعالى:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا[البقرة:آية 1.4 لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقصدون ترعينه، منعنا الله من إطلاقها وقولها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وإن قصدنا بها الخير، سداً للذريعة، ومنعاً من التشبه بهم، فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال عليه الصلاة والسلام :" إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة ".
( وقوله) :" فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب" أي: مصدق بأن المطر خلقه لا خلق الكوكب، أرحم به عبادي وأتفضل عليهم به، كما قال:]وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ[الشورى:آية 28 والنوء لغةً النهوض بثقل، يقال: ناء بكذا، إذا نهض به متثاقلاً، ومنه:]لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَة[القصص:آية 76 أي: لتثقلهم عند النهوض بها، وكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق، وسقط آخر من المغرب، فحدث عند ذلك مطر أو ريح، فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب الساقط، نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث فنهى الشرعُ عن إطلاق ذلك لئلا يعتقد أحد اعتقادهم، ولا يتشبه بهم في نطقهم، والله أعلم. انتهى (ج1 ص 259-26. ) المفهم .
قلت: وحديث: إذا أنشأت بحرية…الخ هو واحد من أحاديث الموطأ الأربعة التي لم يسندها مالك ولم توجد مسندة. وادعى المحدث الشيخ صالح الفلانى أنه عثر لها على أصل مسند مرفوع ذكر ذلك عنه الشيخ العلامة محمد بن جعفر الكتانى فى الرسالة المستطرفة والحديث أخرجه من غير طريق مالك أبو الشيخ في العظمة قال: حدثنا أحمد بن عمير حدثنا عبد الله بن عبيد حدثنا محمد بن يحيى الأزدى حدثنا محمد بن عمر حدثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة سمعت عوف بن الحارث يقول سمعت عائشة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:" إذا أنشأت السماء بحرية ثم تشاءمت فتلك عين أو عام غديقة يعنى مطراً كثيراً " الحديث بهذا الإسناد ضعيف فى سنده الواقدى محمد بن عمر بن واقد وهو متروك وعليك بمراجعة ترجمته فى الميزان ( ج3/662 – 666 /7993 ) وقال الذهبى هناك: استقر الإجماع على وهن الواقدى .
وليست الوحدة الثابتة لذاته تعالى بمعنى تناهيه في الدقة والصغر إلى حد لا ينقسم وإلا لزم أن يكون جوهراً فرداً ولا بمعنى أنه معنى من المعاني لأن المعاني لا تقبل الانقسام وإلا لزم أن يكون صفة غير قائم بنفسه وذلك محال . أهـ ميارة (ج1 ص 23 ) بتصرف.
قال تعالى:]بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [ الأنعام: آية 1.2 - 1.5 .
7– القدرة: ويجب الإيمان بوجوب القدرة في حق الله عزّ وجلّ وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه، لقوله تعالى:]فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ الروم:آية5. . وقوله تعالى:]وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا[ الكهف: آية 45. وقال تعالى:]إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [ الذاريات:آية 58 ولأنه لو لم يكن قادراً لكان عاجزاً، وعجزه محال، كيف وهو خالق كل شيء ؟
ويعلم من مذهب أهل السنة كما نبه عليه العلامة السبكى: أن الإرادة والقدرة يتعلقان بكل ممكن من أفعالنا الاختيارية وما له سبب كالإحراق عند مماسة النار. وما لا سبب له كخلق السماء. وتعلق القدرة فرع تعلق الإرادة الذي هو فرع تعلق العلم إذ لا يوجد الله تعالى شيئاً ولا يعدمـه إلا إذا أراد وجـوده أو إعدامه وقد سبق في علمه أنه يكون أو لا يكون.
8– الإرادة: ويجب الإيمان بوجوب الإرادة لله عز وجل وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه كوجود المخلوق في زمن دون غيره وفى مكان دون آخر وعلى صفة أو هيئة دون غيرها وهكذا، لقوله تعالى:]وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ[ القصص:آية 68 وقوله تعالى:]لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ[ الشورى:آية 49 وقوله تعالى:]فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ[ البروج:آية 16 وقوله تعالى:]فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَم[ الأنعام:آية 25 وقوله تعالى:]يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [ البقرة:آية 185 .
9- العلم: ويجب الإيمان بوجوب العلم في حق الله عزّ وجلّ وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود واجباً كان أو جائزاً، وبكل معدوم: مستحيلا كان أو ممكناً، فهو تعالى يعلم وجود ذاته وصفاته وأنها قديمة لا تقبل العدم. ويعلم أنه لا شريك له، وأن وجود الشريك محال. ويعلم جواز حدوث الممكن وعدمه. ويعلم في الأزل عدد من يدخل الجنة ومن يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه. ويعلم أفعالهم وكل ما يكون منهم. ويعلم أنه عالم بكل الأمور لا تخفى عليه خافية فهو يعلم الجزئيات والكليات وأنه يتصف بذلك العلم اتصافا ذاتيا غير مستفاد من المعلومات خلافا للمعتزلة وبعض الفلاسفة قال تعالى:]أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ الملك:آية 14 وقال:]إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا[ طه:آية 98 وقال:]لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[ الطلاق :آية 12وقال:]يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ[البقرة:آية 255 وقال:]هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ[ الحشر:آية 22 وقال:]يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر:آية 19 وقال:]إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ الأنفال:آية 75 وقال تعالى:]عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ التغابن آية 18 .