وبعد كل هذا نعلم أن المعرفة بالله هي أول الواجبات على المكلف وطريقها النظر في الأدلة النقلية والعقلية وهل الواجب هو النظر أو القصد إليه محل خلاف بين العلماء والنظار ومعنى المعرفة هو الجزم المطابق عن دليل.
والعلم بما تضمنته هذه الكلمة المشرفة يعنى اعتقاده في القلب والتعبير عنه باللسان والعمل بمقتضى ذلك بالاركان، هو المعرفة المطلوبة وهذه هي صورة عقيدة أهل السنة والعقيدة فعيلة من العقد وهو الربط لغة ثم نقل لتصميم القلب على ادراك تصوري أو تصديقي، والمراد بالعقيدة هنا ما يدين الإنسان به واعتقد كذا عقد عليه قلبه وضميره قاله الزبيدى فى الاتحاف.
وخلاصة القول أن عنوان ذلك النطق بالكلمة نطقاً يواطىء القلب فيه اللسان بان يشهد أَنَُّ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مقترنة بضميمتها التى لا تجدي بدونها وهى محمد رسول الله ومعنى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أى لا معبود بحق إلا الله، وقيل: لا مستغنى عن كل ما سواه ومفتقرٌ إليه كل ما عداه إلا الله، ويطلق على هاتين الكلمتين مجتمعتين{كلمة الشهادة} لارتباط إحداهما بالأخرى. قال الزبيدى: وكلمتا الشهادة هي لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن محمدا رسول الله وهى أحد مباني الإسلام إشارة إلى حديث بُني الإسلام على خمس فذكر شهادة أن لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن محمداً رسول الله، وقد تقدم الحديث وما فيه مفصلا فى كتاب العلم، وإنما اقتصر على هاتين الكلمتين لإشتمالهما على جميع مسائل التوحيد كما أشار له السنوسى وغيره، وتفصيل ذلك ان معنى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لا مستغني عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه إلا الله. ومعنى الالوهية استغناء الاله عن كل ما سواه وافتقار كل ما عداه إليه انتهى ( ج2 ص 17). فهو الواحد أي المتفرد بكل كمال المنزه عن كل نقص. قال أبو المعالي: - الواحد - معناه المتوحد عن الإنقسام أهـ، والقشيرى يرى ان الواحد هو الذي لا قسيم له ولا يستثنى منه أهـ. قلت: الأول نفى التركيب في الذات والثاني نفى المثلية والتركيب مع.
واشترط أهل السنة هذا النطق وهو مذهب جمهورهم فمن آمن بقلبه ولم ينطق بلسانـه فمات أو لم يمت وهو قادر فهو كافر لا يعتد بإيمانه بقلبه دون ان يعبر عنه لسانه، ولكن عارض في ذلك عدد من العلماء فقال القاضى أبو بكر الباقلانى: لا يشترط وبه، قال ابن رشد: وهو ظاهر قول المدونة لو أجمع على الإسلام بقلبه فاغتسل أجزأه وان لم ينو الجنابة لأنه نوى الطهر، قال التتائى فى خطط السداد والرشد على نظم مقدمة ابن رشد: ولما كان ظاهرها مخالفاً للجمهور نسب ذلك ابن الحاجب للمدونة بقوله :- وفيها- يعنى المدونة – لو أجمع على الإسلام فاغتسل له أجزأه وإن لم ينو الجنابة لأنه نوى الطهر، وأردفها بقوله وهو مشكل انتهى.
قلت: إن الذي عقد العزم على الإسلام واغتسل للإسلام فمثله يكون عازماً على النطق فينفعه ذلك، وأما إذا كان المانع له شىء آخر فالظاهر أن أمره مشكل خصوصاً إذا كان المانع له مجرد الحياء أو عدم الإهتمام أو التردد.
وقال ابن فورك: الواحد فى وصفه عز وجل له ثلاث معان: أنه لا قسيم لذاته لأنه غير متبعض ولا متحيز. ثانيها: أنه لا شبيه له تقول العرب فلان واحد فى عصره أى لا نظير له. ثالثها: أنه لا شريك له فى أفعاله يقال فلان متوحد فى هذا الأمر لا يشاركه فيه أحد ولا يعاونه. والأولون قالوا هذه المعانى الثلاثة مستحقة له تعالى ولكن لفظ التوحيد فيه حقيقـة في نفي القسمة مجاز فى الباقى فإذا اعْتُقِدَ أن لا إله غيره فكل شىء سواه حادث ." تنبيه " اعْلَمْ ان من الناس من لم يفرق بين الواحد والأحد فى المعنى، ومنهم من فرق وقال الواحد اسم لإفتتاح العدد يقال واحد اثنان ثلاثة والأحد اسم لنفي ما يذكر معه من العدد، وقيل الأحد يذكر مع الجحد، يقال ما جاءنى أحد، فمعناه نفى مجىء الواحد فما فوقه أيضاً، ويقال جاءنى واحد ولا يقال جاءنى أحد، وقيل الأحد إنما يذكر فى الإثبات فى صفة الله تعالى على وجه التخصيص، يقال هو الله الأحد ولا يقال هو الرجل الأحد ولا رجل أحد، ويقال فى وصف غيره وحيد وأوحد ولا يطلـق عليه ذلك فى وصفه وان كان أبلغ لعدم التوقيف.