هو عبد الله أبو محمد بن أبي زيد , واسم أبي زيد عبد الرحمن , النفزاوي النسب , ونفزة مدينة بالجنوب التونسي , وقيل إنها نسبة لقبيلة نفزاوة في الأندلس , ولد سنة 310 , وتوفي سنة 386 , كان يقيم بالقيروان , فتفقه بفقهاء بلده , وسمع من شيوخها , وفي مقدمتهم أبو بكر بن اللباد , وأبو الفضل عباس بن عسيى المميسي , وأخذ عن محمد بن مسرور بن العسال , ودراس بن اسماعيل , وعبد الله بن أحمد الأبياني , وسعدون بن أحمد الخولاني , وأبي العرب ,غيرهم .
كما أخذ على غير أهل بلده , حيث ارتحل وحجّ فسمع من ابن الأعرابي , وإبراهيم بن محمد بن المنذر , وأبي علي بن ابي هلال , واحمد بن إبراهيم بن حماد القاضي , واستجاز ابن شعبان , والأبهري , والمروزي .
وأخذ عنه كثيرون , منهم أبو القاسم البرادعي صاحب التهذيب , واللبيدي , وأبو عبد الله الخواص , وهم من القيروان , ومن الأندلسيين أبو بكر بن موهب المقبري شارح رسالته , وأبو عبد الله بن الحذاء ,,,وغيرهم .
واعلم أنه وقع لمحقق كتاب الجامع لابن أبي زيد ما استدعى تنبيهي عليه , فإنه وهو بصدد ذكر بعض فتاويه نقل عن المعيار للونشريسي ما يؤخذ منه أن نحو 70000مسألة قد نقلت عن ابن أبي زيد إلى العراق , ومن رجع إلى المعيار علم أن المنقول عنه هو مالك رحمه الله لاا بن أبي زيد .
قال في الديباج : حاز رئاسة الدين والدنيا , وإليه كانت الرحلة من الأقطار , ونجب أصحابه , وكثر الآخذون عنه , وهو الذي لخص المذهب , وضم نشره , وذب عنه , وملأت البلاد تآليفه , عارض كثير من الناس أكثرها , فلم يبلغوا مداه , مع فضل السبق , وصعوبة المبتدإ , وعرف قدره الأكابر , كان يعرف بمالك الصغير .
وقال فيه القابسي :" هو إمام موثوق به في ديانته وروايته " , وقال أبو الحسن علي بن عبد الله القطان :" ما قلدت أبا محمد حتى رأيت السبائي ( في الديباج المذهب النسائي , وهو تصحيف ) يقلده " , ,
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء :" الإمام العلامة القدوة الفقيه , عالم أهل المغرب ,,, وكان أحد من برز في العلم والعمل محنة ابن أبي زيد - رحمه الله-
رغم أن ابن أبي زيد آثر منهج الدعوة إلى الله في هدوء , إلا أنه شارك في شيئ من المناقشات والمساجلات في مسائل علمية كثر الكلام عليها في عهده , منها كرامات الأولياء , والاستثناء في قول المرء أنا مؤمن , وغيرها , وقد قال عياض عنها في ترجمة محمد بن سحنون المتوفى سنة 256 :" وجرى بين أبي التبان , وابن أبي زيد والمسيسي (؟) , وأبي ميسرة , والدراوردي , وغيرهم , في ذلك مطالبات ومهاجرة , والصحيح في هذا أيضاً ماقاله محمد بن أبي زيد ك" إن كانت سريرتك مثل علانيتك فأنت مؤمن عند الله , زاد الداروردي :" وختم لك بذلك ", انتهى
وقد تعرض ابن أبي زيد بسبب ماكان عليه من التزام الاتباع , وبسبب تآليفه التي تعددت أغراضها غلى حملات من المتصوفة , بل ومن بعض أهل الحديث , ممن لم يفهم كلامه على وجهه , وما اكثر ما يتلقى المختلفون على محاربة شخص أخذا بالضنة والنقول الملفقة , والأخبار الكاذبة , أو بالاعتماد على محتمل الكلام , ومن طالع ما قيل في هذا الأمر , وعلم عناوين الكتب التي ألفت في الرد على ابن أبي زيد , والأعلام الذين انساقوا وراء الحملة عرف حجمها , فاقرأ ماقال عنها القاضي عياض كط ولما ألف كتابه الرد على الفكرية ( لعل الصواب البكرية ) , ونقض كتاب عبد الرحيم الصقلي , بتأليفه الكشف , وكتاب الاستظهار , ورد كثيراً مما تقلده من خارق العادات على ما قدره في كتابه , شنع المتصوفة وكثير من أصحاب الحديث عليه ذلك , وأشاعوا أنه نفى الكرامات , وهو رضي الله عنه لم يفعل , بل من طالع كتابه عرف مقصده , فرد عليه جماعة من أهل الأندلس واهل المشرق , وألفوا عليه تواليف معروفة , ككتاب أبي الحسن بن جهضم الهمذاني , وكتاب أبي بكر الباقلاني , وأبي عبدالله بن شق الليل , وأبي عمر الطلمنكي في آخرين ", انتهى .
وقال الشيخ زروق :" قالوا : وكان ينكر الكرامات , ثم اختلفوا , هل حقيقة أو حماية للذريعة , وهل رجع أم لا , والله أعلم " .
والذي يعرف ابن أبي زيد لا يسعه إلا الجزم باستبعاد أن يكون ممن ينكر الكرامات , وإنما ينكر المغالاة فيها , والاستكثار من التحدث بها , أو الاستناد اليها في دعوى الصلاح , دون التفات إلى مدى التزام مدعيها منهاج السنة النبوية , وكونها من فهم مراده , ووضع كلامه موضعه , فنافح عنه , قال عياض ك" وكان أرشدهم في ذلك وأعرفهم بغرضه ومقداره إمام وقته القاضي أبو بكر بن الخطيب الباقلاني , فإنه بين مقصوده , قال الطلمنكي : كانت تلك من أبي زيد نادرة لها أسباب , أوجبها التناظر الذي يقع بين العلماء , صح عندنا رجوعه عنها " , قلت : والذي يظهر لي انه لم يقع في شيئ يحتاج إلى التراجع عنه , والطلمنكي كان من المناهضين له , ثم لتلميذه أبي بكر المقبري , والله يغفر للجميع . بعض خصاله
وقد اشتهر ابن أبي زيد بجملة من الخصال منها الخضوع للحق , وسرعة الانقياد له كما قاله عنه الداودي , ومنها الكرم وانفاق المال في وجوه الخير عموما , وعلى أهل العلم وطلابه خصوصاً , فقد وهب ليحي بن عبد الله المغربي عند قدومه إلى القيروان مائة وخمسين ديناراً ذهبياً , ووصل القاضي عبد الوهاب بألف دينار ذهباً , عندما بلغه إقلاله , وهو الإقلال الذي خرج بسببه فيما بعد من بغداد , ,, وقد شكك الذهبي رحمه الله في هذا الأمر , على اعتبار أن القاضي عبد الوهاب لم يشتهر إلا بعد وفاة ابن أبي زيد سنة 363 , فإذا صح هذا تبين عدم وجاهة اعتراض الذهبي رحمه الله , فإن الأمر غير مستبعد بالنظر إلى ظهور النجابة على كثير من الناس في سن مبكرة كما ستعلم من تاريخ تأليف ابن أبي زيد للرسالة , ومن السن الذي انتصب فيه مالك للفتوى , وقد كان عمر القاضي عبد الوهاب حين وفاة ابن أبي زيد ثلاثاً وعشرين سنة .
خصائص الرسالة
تميزت رسالة ابن أبي زيد بخصائص عدة من بين كتب الفقه على مذهب مالك , فلها مكانة خاصة فيه , ولها لغتها وأسلوبها , وطريقة عرضها الأحكام , واعتمادها نصوص الكتاب والسنة , وكونها موجهة للولدان , وغيرذلك مما سأذكره