العلامة الأصولي المتبحر الفقيه المطلع المشارك سيدي عبدالحي بن محمد بن الصديق رحمه الله تعالى ، ولد في طنجة وتعاهده والده منذ صغره بالرعاية والتعليم... شأنه شأن كل إخوانه رحمهم الله تعالى...
رحل إلى مصر سنة 1355 ه مع شقيقه السيد عبدالعزيز فمكث في مصر 11 سنة ؛ تلقى فيها عن كثير من الشيوخ.. ومن جملة شيوخه : شقيقاه السيد أحمد والسيد عبدالله ، والشيخ عبدالرحمن قراعة مفتي الديار المصرية ، والشيخ بدرالدين الدمشقي ، والشيخ راغب الطباخ الحلبي ، والشيخ خليل بن بدر المقدسي ، والشيخ عبدالمعطي الشرشيني المصري ، والشيخ عبدالوهاب السيد سالم المصري ، والشيخ محسن نصر اليمني ...وغيرهم..
ولصاحب الترجمة مؤلفات جليلة تدل على تبحر صاحبها في الفقه وعلم الأصول والحديث ، وكذلك معرفته الكاملة بعلم المناظرة.. فكانت مساهمة جليلة في تصويب أخطاء المقلدين المتزمتين في اتباع المذاهب.
وبالتالي تشجع على البحث البعيد عن التقليد الذي يجمد الفكر، ويعطل كل القدرات العلمية التي تحرك آلة الاجتهاد...فما من مسألة فقهية – تزمت فيها المقلدون – وتناولها السيد عبدالحي رحمه الله في كتبه إلا وبسطها بين يدي القارىء ببحث قيم من جميع جوانبها... ويأتي بأدلة المقلدين ’’ المزعومة ’’ فيضعها على بساط التحليل والتمحيص ليسلط عليها الأضواء من كل زاوية ليكشف فسادها وعدم خضوعها لما هو مقرر في علم أصول الفقه ، ولما هو متفق عليه بين علماء الفقه والأصول من أنه لامجال لقول فقيه أو اجتهاد إمام مع ماهو ثابت حكمه بالنص القطعي الدلالة من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
لقد كان صاحب الترجمة شديد التمسك بالسنة النبوية داعيا إلى العمل بها ونبذ اتباع الأقوال المجردة في كل محفل ، وفي جميع كتاباته.
اشتغل بتدريس العلوم الشرعية لاسيما أصول الفقه في المعهد الشرعي بمدينة طنجة ، ثم عين مديرا له..فكان من أحسن المعاهد الشرعية في بلاد المغرب بالإجماع ..ولما اختلط التعليم في المغرب ووصلت جرثومته إلى المعهد الشرعي قدم السيد عبدالحي رحمه الله تعالى استقالته..
وكان له في إذاعة مدينة طنجة ركن خاص يجيب فيه عن أسئلة المستفتين من كل أنحاء المغرب..وقد درس لكثير من الطلبة مجموعة من الكتب العلمية في أصول الفقه والفقه والنحو والبلاغة ، في بيته العامر.
لقد كان رحمه الله تعالى غيورا على الإسلام وأهله ، عطوفا على ضعاف المسلمين وفقرائهم لايأل جهدا في الدفاع عن قضاياهم ومد العون إليهم وتبليغ حوائجهم إلى ذوي الأمر..ولم يزل هكذا دأبه إلى أن لقي وجه ربه في شعبان 1415 ه. ودفن بجوار والديه رضي الله تعالى عنهم .
وكان يوصي طلبته دائما بالتزام السنة النبوية وعدم الحياد عنها مهما كان الأمر ، وتقديمها على كل الأقوال مع العمل على نشرها والدعوة إليها قال رحمه الله تعالى في إجازته التي كان يقدمها للمستجيزين : ..وأوصيه أيضا بالاجتهاد والجد في نشر الدعوة للعمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن العمل بهما والاجتهاد في تنفيذ أمرهما ونهيهما هو السبيل لنصر هذه الأمة كما نص عليه الحكيم الخبير في كتابه العظيم الذي لم يفرط في شيء فيه النفع والمصلحة إلا بينه أتم بيان . وما من شيء فيه المضرة والمفسدة إلا حذر منه كل التحذير. وما أوقع الأمة الإسلامية فيما وقعت فيه من ذل وهوان وتحكم الكفار أعداء الإسلام في المسلمين وأوطانهم وأموالهم إلا بتفريطهم ونبذهم لتعاليم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أسأل الله سبحانه أن يوفق هذه الأمة للعمل بما كان عليه سلفها من الصحابة والتابعين حتى يعود لهم ما كان لسلفهم من النصر والسيادة والعز، وما تحقق لسلفهم مما هو مسطور في كتب السنة وكتب التاريخ وما ذلك على الله بعزيز. اه-