قال تعالى:]وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ[ الذاريات آية :21 وقال تعالى:]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ[ المؤمنون:آية 12- 14.
والتفكر في عجائب خلقة النفس وفيما أعد الله في هذا الإنسان وفيما أعده لهذا الإنسان قبل قدومه إلى هذا العالم دليل قاطع على وجود الصانع ورحمته الواسعة. وفى الحديث عن عمر مرفوعاً: لله أرحم بعباده من هذه بولدها - يريد امرأة من السبى- رواه البخارى ومسلم وقال تبارك وتعالى:]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[ الأعراف:آية 156 .
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:إناللَّهَ تعالى خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ" رواه البخارى ومسلم.
وأخرج مسلم والإمام أحمد فى المسند عن سلمان مرفوعاً:"إن الله تعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مِائَةَ رَحْمَةٍ كل رَحْمَةٍ طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها فى الأرض رَحْمَةً فبها تعطف الوالدة عَلَى وَلَدِهَا والْوَحْشُ والطير بعضها على بعض وَأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة" ورواه أحمد وابن ماجه عن أبى سعيد.
وفى لفظ لسلمان: مرفوعاً:"إن الله عز وجل خلق مِائَةَ رَحْمَةٍ فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الْوَحْشُ عَلَى أولادها َأَخَّرَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ إلى يوم القيامة" قال ابن كثير تفرد باخراجه مسلم فرواه من حديث سليمان هو ابن طرخان وداود بن أبى هند كلاهما عن أبى عثمان واسمه عبد الرحمن بن مِلِّ عن سلمان هو الفارسى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
قلت: وفى بعض ألفاظ حديث سلمان عند عبد الرزاق موقوفاً في قوله تعالى:]كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[ قال: إنا نجد في التوراة عطفتين إن الله خلق السموات والأرض وخلق مائة رحمة أو جعل مائة رحمة قبل ان يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وامسك عنده تِسْعًا وَتِسْعِينَ رحمة قال فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتبادلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقـة وبها تثج البقرة وبها تثغو الشاة وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع.
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق أخرج كتاباً من تحت العرش أن رحمتى سبقت غضبى وأنا أرحم الراحمين فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقا لم يعملوا خيرا مكتوب بين أعينهم عتقاء الله" عزاه السيوطى إلى ابن مردويه.
قلت: وكذالك عبد الرزاق فى تفسيره. فإذا عرفت أن هذه هي رحمة الله العامة فانظر إلى رحمة الله الخاصة بخلقك، قال العلامة ابن عجيبة في شرح المباحث عند قول ابن البناء في نظمه:
أتدرى من أنت وكيف تدرى *** وأنت قد عزلت والى الفكر